بفضل تطور المعرفة وتنوع العلوم، تعاظمت أهمية الملكية الفكرية في عصرنا هذا على المستويين الاجتماعي والقانوني. فأصبحت منتجات المؤلف والمخترع تؤثر في الوسط الثقافي والاقتصادي والسياسي في كل مجتمع، وقد ظهر هذا الأثر بوساطة المصنفات الأدبية والفنية والابتكارات القابلة للتطبيق الصناعي التي أسهمت بلا شك في بناء وإصلاح الفرد والمجتمع والدولة. وللوصول إلى هذه النتيجة كان من اللازم توفير الحماية القانونية لحقوق الملكية الفكرية، سواء الأدبية منها أم المالية، وهذا هو سبب وجود التشريعات الوطنية والدولية في معظم دول العالم التي تجتهد في تنظيم حفظ هذه الحقوق ومواجهة استغلالها غير المشروع.
ونتيجة الثورة التكنولوجية في ميدان برامج الحاسوب وعلم الأحياء ـــ التي شهدناها خلال خمس وعشرين سنة الماضية ـــ تقف النظم القانونية أمام تحديات جديدة. ويبدو ذلك بشكل خاص في الاندماج بين تقنيات الحاسوب ووسائل الاتصال، التي جعلت القواعد القانونية المعروفة تلاحق نتاجات فكرية ذات صبغة تقنية تُعرف بالذكاء الاصطناعي. ومن جهة أخرى، لم يقف التدخل العلمي عند هذا الحد، بل استمر ليجعل من المادة الوراثية وخلايا الانسان والكائنات الحية عيّنة صناعية ومجالاً جديداً للابتكار. فوجدت اختراعات ذات طابع احيائي توصف بأنها (بايوتكنلوجية) لها اثر عظيم في صحة البشر.
ومع تزايد الابتكارات ازداد نهم الشركات العملاقة باستغلالها في الصناعة والتجارة الدولية، فأصبحت الملكية الفكرية ذات قيمة تنافسية ومحلاً للاحتكار. وفي ظل هذا الواقع، تجد الدول النامية نفسها أمام فجوة واسعة بين قدراتها الإنتاجية في مجال الابتكار وصناعة المعرفة وبين ما تملكه الدول المتقدمة من وسائل الإنتاج الفكري والسيطرة على موارده.
وقد أثر هذا التباين في حيازة المعرفة وانتاجها في تفاوت مستوى التنظيم القانوني لمسائل الملكية الفكرية بين الدول، ويبدو هذا واضحاً عند عقد المقارنة بين تشريعات الدول الصناعية والدول النامية. وعلى الرغم من الجهود التي بذلتها المحاكم الوطنية والأجنبية لمواجهة نقص التشريع أو خلوه وتطويع النصوص القانونية النافذة في حسم المسائل المستحدثة المطروحة أمامها، فإن العمل القضائي لا يمكنه أن يوازي التدخل التشريعي في تأكيد حماية حقوق الملكية الفكرية.
من هنا جاءت فكرة إقامة مؤتمر دولي متخصص بالملكية الفكرية يعنى بالإشكاليات القانونية المعاصرة التي يعاني منها أصحاب الحقوق الفكرية، ويدرس المعالجات الممكنة لها.